مصادر تمويل الإرهاب الإيراني في ظل الحصار الدولي
- الكاتب: ضياء قدور في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
لقد أصبح اقتصاد إيران الممتلئ بالثروات في أيدي النظام الحاكم في إيران حالياً، وهو مكرّس بالكامل لمشروعات القمع المحليّة والمشروعات الرامية إلى تصدير الإرهاب إلى خارج الحدود، ولا سيّما إلى البلدان العربيّة كالعراق وسوريا ولبنان واليمن، تُثير أرباح النظام الإيراني الضخمة “قلقاً كبيراً”، بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني, والقمع في الداخل والإرهاب في الخارج. وفقاً للوثائق والأدلة الكثيرة.
نُبيّن في هذا الدراسة “المصادر المتنوعة التي تدرّ الأموال وبخاصّة القطع الأجنبي الذي يستخدمه النظام الإيراني في دعم الإرهاب في المنطقة والعالم”، إضافة إلى “حجم القطع النقدي الذي يدره كلّ مصدر”.
- النفط في يدّ قوات الحرس الثوري الإيراني.
- التأمين المالي عن طريق بيع المنتجات البتروكيميائية.
- عمليات غسيل الأموال التي تجري في الصناعات البتروكيميائية.
- تحويل الأموال بشكل غير مباشر إلى إيران.
- البيع بسعر منخفض للجهات التي ترغب في التحايل على العقوبات.
- إيرادات الصناعة البتروكيميائية.
- تهريب البضائع إلى داخل إيران وخارجها.
- تهريب المخدرات.
- المدخل
بينما يعيش سكان إيران معظمهم البالغ عددهم 85 مليوناً في وضع اقتصادي سيئ, فإنّ أكثر من 33 في المئة من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر (وفقاً للأرقام الرسميّة)، ويسعى النظام الإيراني لدعم المليشيات التابعة له في المنطقة والاستمرار في سياسة تصدير الإرهاب إلى المنطقة والعالم معتمداً في ذلك على مصادر دخل ضخمة ومتنوعة تدر عليه مليارات الدولارات سنويّاً.
- النفط في يد قوّات الحرس الثوري الإيراني
ليس خافياً على أحد أنَّ قوّات الحرس الثوري هي القاعدة الرئيسة للنظام الإيراني التي جرى تشكيل أجهزتها وهيئاتها خلال مرحلة الحرب مع العراق، وبعد نهاية الحرب الإيرانيّة العراقيّة، بدأت هذه القوّات بالهيمنة على اقتصاد إيران وأجهزته، بحيث سيطرت عام 2005 على ما يقارب 35 في المئة من أسواق العمل والاقتصاد الإيراني[1], وتابعت القوّات سيطرتها على عشرات المؤسسات الاقتصاديّة الأخرى، ومن بينها سيطرة الحرس الثوري الإيراني على عشرات القطاعات في الاقتصاد الإيراني، بما في ذلك 14 تكتلاً اقتصاديّاً تُشكّل جزءاً كبيراً من الناتج المحلّي الإجمالي لإيران، لتُسيطر بعدها على الاقتصاد الإيراني معظمه.
أظهرتْ تقاريرٌ حديثة أنّ حجم صادرات النفط الإيراني وصل خلال شهر أيلول/ سبتمبر 2017 إلى 3.81 مليون برميل يوميّاً بعد أن كان 3.79 مليون برميل يوميّاً خلال شهر آب/ أغسطس. وذكر مسح أجرته رويترز: أنّ إيران عزّزت إنتاجها إذ ارتفع إنتاج النفط يوميّاً إلى 20 ألف برميل. (وكالة أنباء تسنيم)[2]
وتوقّع وزير النفط الإيراني “بيجن زنغنه” أن يصل حجم إيرادات إيران من النفط عام 2017 إلى “50 مليار دولار”، وأن تبقى أسعار النفط خلال العام الجاري في حدود 55 دولاراً للبرميل.
وقال الوزير الإيراني: إنَّ صادرات النفط الخام والمكثّفات في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2013 بلغت 1.2 مليون برميل يوميّاً، مقابل 2.8 مليون برميل يوميّاً خلال الأشهر الأربعة الماضية. ويعني ذلك أنَّ صادرات إيران النفطيّة زادت بمقدار 1.6 مليون برميل يوميّاً، بعد رفع العقوبات الدوليّة في مطلع عام 2016 التي كانت مفروضة على طهران بسبب برنامجها النووي.[3]
تمتلك قوّات الحرس الثوري الإيراني دوراً كبيراً جداً على أغلفة الشركات الضخمة وما يقارب 200 ألف عامل وموظف ومستخدم، هذا الأمر يُبيّن نمو هذا الجهاز التابع للنظام الإيراني ونفوذه في هيكلية الصناعة النفطيّة. وتجدر الإشارة إلى الزيادة السنويّة في ميزانيّة أجهزة النظام جميعها في حكومة “الإدارة والأمل”، ولا سيّما قوّات الحرس الثوري، وقوّات التعبئة (البسيج) وشبكاتها الفرعيّة جميعها، إذ ارتفعت ميزانيات هذه الأجهزة بحدود 44 في المئة خلال العام الماضي.[4]
“عباد الله عبد اللهي” رئيس قاعدة خاتم الأنبياء (التابعة للحرس الثوري الإيراني) القائم على شؤون قوّات الحرس الثوري الإيراني في المسائل الاقتصاديّة والصناعيّة الكبيرة في البلاد، يُصوّر أبعاد الشهيّة المتزايدة لهذا الجهاز ودور قوّات الحرس الثوري الإيراني وتأثيرها في الصناعة النفطيّة. يقول صراحةً خلال حديث له: إنَّ “نجمة الخليج الفارسي هي واحدة من أكبر مشروعات البلاد الضخمة في صدارة تقدّم إيران وتطورها؛ إذ تحتل مصفاة نجمة الخليج الفارسي مساحة تقدر بـ 700 هكتار مع طاقة إنتاجيّة تصل إلى 360 ألف برميل”. (وكالة أنباء إيرنا)[5].
بعدها يكشف “عبد اللهي” عن زوايا وضع قوّات الحرس الثوري يدها على عمليِّات الإنتاج والصادرات والمنابع النفطية، ويُضيف: أنّه “يجب إعطاء الأولويّة للقسم الداخلي ففي المناقشات البحريّة لدينا ستة إلى سبعة أجهزة ومنصّات للحفر البحري التي يُمكنها حفر آبار حتّى عمق 30 كيلو متراً”. (وكالة أنباء إيسنا الحكومية شباط/ فبراير 2013).
الجدير بالذكر أنّه قبل بدء فرض العقوبات على إيران والبنوك الإيرانية التي ستُطبّق اعتباراً من 4/11/ 2018, انخفضت صادرات النفط الإيراني بنحو 35 في المئة، أيّ نحو مليون ونصف مليون برميل يوميّاً، لكن هناك تقارير إعلاميّة أمريكيّة رجّحت لجوء الحرس الثوري الإيراني إلى عمليّات تهريب النفط إلى خارج إيران، مع دخول العقوبات الأمريكيّة الخاصة بالطاقة حيّز التنفيذ في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل, وهذا ما جاء في تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكيّة بعنوان (الحرس الثوري الإيراني يلجأ مُجدّداً إلى تهريب النفط), وقال التقرير: إنَّ “ميليشيات الحرس الثوري الإيراني ستُجني مليارات الدولارات عبر تلك العمليِّات”.
ولفت التقرير إلى أنّ النظام الإيراني سيُنفّذ عمليِّات التهريب بغطاء بيع النفط الخام لجهات خاصّة داخل البلاد. وبالفعل، بدأ النظام الإيراني في الترويج للأمر عبر حملة دعاية تتحدث عن دعم بورصة الطاقة والاقتصاد في مواجهة العقوبات وتبعاتها.[6]
لكن السؤال المطروح من هو ذاك الطرف الداخلي القادر على شراء الذهب الأسود المطروح للبيع في تردّي الأوضاع الاقتصادية؟
الإجابة المنطقيّة الوحيدة، ستُشير بأصابع الاتهام إلى الحرس الثوري الإيراني، وعناصره ومؤسساته الخفيّة المسيطرة على الاقتصاد الإيراني.
وتظهر سوابق أخرى أنَّ الحرس الثوري الإيراني جنى أرباحاً تُقدّر بأكثر من 12 مليار دولار أمريكي في عام 2007، حينما كانت العقوبات مفروضة على الاقتصاد الإيراني الرسمي، وذلك وفقاً لمنظّمة مجاهدي خلق الإيرانيّة المعارضة.
وبعدها بسبعة أعوام، في قمة العقوبات الدوليّة المفروضة حينها على طهران، تقول الأرقام: إنَّ 125 ألف برميل من النفط كانت تُهرّب يوميّاً من إيران عبر مضيق هرمز إلى جهات غير معروفة، إضافة إلى منتجات نفطيّة بقيمة سبعة مليار دولار.[7]
- التأمين المالي لإرهاب النظام الإيراني عن طريق بيع المنتجات البتروكيميائية
بحسب المعلومات الموجودة، فإنَّ أهم مصدر تأمين مالي لإرهاب النظام الإيراني يكون عن طريق بيع المنتجات النفطيّة والغازيّة والبتروكيميائيّة، إذ قامت الأجهزة والمؤسسات المرتبطة بالمرشد الأعلى وقوّات الحرس الثوري الإيراني ووزارة مخابرات النظام من خلالها، بـ”تأمين تكاليف الحرب والإرهاب خلال الأربعين عاماً الماضية”.
يقول “علي فلاحيان” وزير مخابرات النظام الإيراني خلال مدّة حكم رفسنجاني في مقابلة تلفزيونية له: “قرّرنا إنشاء المنشآت البتروكيميائيّة بسبب الضغط علينا في كثير من الأماكن وبالأخص من جهة المرشد الأعلى كي نُصبح مرتبطين بالنفط, وفي ذاك الوقت كان لدينا ١٦ مليار دولار من النفط، وعن طريق عملية التخطيط التي نفذّناها وصل الدخل إلى قرابة الـ ١٦ مليار دولار من المنتجات البتروكيميائية”.
أشار “فلاحيان” خلال مدّة رئاسته لوزارة المخابرات (من عام ١٩٨٩ حتّى عام ١٩٩٧) إلى أنّ وزارة المخابرات دخلت بشكل فاعل في النشاط الاقتصاديّ للبلاد، وخصوصاً في كسب الدخل عن طريق بيع المنتجات البتروكيميائيّة بعد الحرب العراقيّة الإيرانيّة.[8]
يقول نائب هيئة التخطيط في وزارة النفط “محسن خجسته مهر” في حديثه عام ٢٠١٢ حول موضوع دخل النظام من هذا المصدر: إنَّ “٨٥ في المئة من دخل القطع الأجنبي و٢٥ في المئة من الدخل الإجمالي الوطني في إيران يجري الحصول عليه من خلال بيع المنتجات النفطية”.[9]
- عمليات غسيل الأموال التي تجري في الصناعات البتروكيميائيّة
إنَّ عدد المنتجات التي يجري إنتاجها في صناعة البتروكيماويات هي أكثر من مئة نوع من المنتجات المصنّعة، واتساع الإنتاج في هذا المجال يُمكن أن يُؤدي إلى الحدّ من إمكان التحكّم في معاملات هذه الصناعة مقارنةً بمنتجات النفط، والغاز التي تحتوي على منتجات محدودة أكثر، وبسبب العدد الكبير من المشترين، يتدنى إمكان التحكم في هذه التجارة والتعاملات.
أحد الخبراء الاقتصاديين للنظام الإيراني، أشار إلى موضوع توسّع عمليّات غسيل الأموال التي تجري عن طريق بيع المنتجات البتروكيميائيّة بهذا الشكل: “إيرادات صادرات البتروكيماويات جميعها التي كانت أهم مصدر لتأمين البضاعة المُهرّبة في البلاد, يجب أن يجري عرضها للبيع في النظام نفسه بتوجيه من البنك المركزي, حتّى يجري بيع الإيرادات النفطيّة في نظام العملات هذا نفسه, إذ إنَّ الإيرادات النفطيّة، وسابقاً البتروكيميائيّة كانت تُباع عملتها في مدينة دبي الإماراتيّة، وهذه العملة تنفق على الإيرادات القانونيّة وغير القانونيّة من دبي”[10]
- تحويل الأموال بشكل غير مباشر إلى إيران
وفقاً لتقارير النظام، فإنَّ المشترين معظمهم في صناعة البتروكيماويات يُعيدون الأموال إلى النظام بطريقة غير مباشرة, وهذا يقلّل احتمال التحكّم فيها من قبل المنظّمات الدوليّة. وأحد أهم الطرائق لإعادة الأموال إلى إيران يجري عن طريق دولة الإمارات العربيّة المتحدة.
الحقائق الآتية توضح لنا هذا الموضوع:
“أحمد مهدوي أبهري” الأمين العام لاتحاد أصحاب العمل في الصناعة البتروكيميائيّة يقول في حشد غفير من المراسلين: إنَّ “أموال صادرات البتروكيميائيات يجري تحويلها إلى البلاد من الصين من قبل صرافين عن طريق دبي”.[11] وذلك ردّاً على سؤال لمراسل شبكة فارس حول آخر التطوّرات للحصول على القطع الأجنبي الوارد من صادرات المنتجات البتروكيميائية.
“حميد حسيني” عضو اتحاد مُصدّري النفط والغاز والبتروكيميائيات يتحدّث حول مشكلات العلاقات التجاريّة الإيرانيّة – الصينيّة لوكالة أنباء (إيرنا) قائلاً: إنَّ “البنوك الصينيّة ليست حجتها أو ذريعتها العقوبات لكنّهم يقولون: إنَّ هذه الشركات التي تتلقى الأموال ماهي هويتها؟ بمن ترتبط؟ هل هي على قائمة الإرهاب أم لا؟ وماذا تملك من معايير وضوابط؟ لذلك، إذا جرى تحويل الأموال إلى إيران وفقاً للوثائق، فإنّها عادة ما ترفض؛ فليس لديهم مشكلة في تحويل الأموال إلى هونكونغ أو سنغافورا أو الإمارات أو عمان؛ لكنّهم يمتنعون عن تحويل الأموال إلى إيران لذلك فإنَّ هذا العمل يُعتبر عملاً صعباً”.[12]
- البيع بسعر منخفض للجهات التي ترغب في التحايل على العقوبات
تُباع البتروكيماويات الإيرانيّة لتركيا وأفغانستان والصين بسعر أقل من الأسعار المحلّية في الأسواق، وهذه الدول تقبل على تجاوز العقوبات بسبب رخص هذه المنتجات التي تستوردها من إيران.
في إيران -على سبيل المثال- يجري إنتاج ملايين الأطنان من البولي إيثيلين في العام، ولكن يجري بيع قسم محدود منه لمشترين في الداخل من أجل الاستهلاك المحلّي، ويباع الباقي إلى الخارج بأسعار منخفضة. لذا بالنسبة إلى المستهلكين في إيران فعليهم الذهاب، وشراء المنتجات البتروكيماويّة الإيرانيّة مرّة أخرى من الصين والعودة بها إلى الداخل من أجل الاستهلاك المحلّي.
المديرة العامة لمكتب الصناعات الكيماوية والسلولوزية في وزارة الصناعة والتعدين والتجارة “بروين نباتي” يوم الأحد 29/4/2018 ذكرت: أنّه “جرى تصدير ما قيمته حوالى 18.5 مليار دولار في العام الإيراني المنصرم”.
وتابعت “نباتي” أنَّ القسم الأكبر من هذه المنتجات أيّ حوالى 85 في المئة من صادرات المنتجات الكيماويّة والسلولوزية خلال العام الإيراني الماضي، صُدّر إلى الصين والإمارات والهند والعراق وأفغانستان وتركيا وباكستان وإندونيسيا.[13]
- إيرادات الصناعة البتروكيميائيّة
على الرغم من عدم وجود تقارير كاملة، ودقيقة عن إيرادات النظام التي يجنيها من خلال صناعة البتروكيماويات، إلا أنَّ التقارير الحاليّة المنتشرة تكشف مدى أبعاد الإنتاج والإيرادات التي يكتسبها النظام الإيراني من خلال هذه الطريق.
“مرضية شاهدايي” المديرة السابقة للشركة الوطنيّة للصناعات البتروكيميائيّة أعلنت عن صافي المبيعات للصناعة البتروكيميائية بقولها: إنَّ “النظام عام ٢٠١٦ كان لديه صافي المبيعات بحدود ١٥ مليار دولار من الصناعة البتروكيميائيّة, وقد أتت هذه الأموال من بيع 28 مليون طن من المنتجات البتروكيماويّة، وحوالى ثلثي الأرباح كانت من المبيعات الأجنبيّة، وثلثها الآخر من المبيعات المحليّة”.
وتضيف: “في العام (2016) ذاته بلغ إجمالي إنتاج البتروكيماويات حوالى 50 مليون طن. وفي السنة التالية (تقريباً يُعادل عام 2017) كان مبيع المنتجات البتروكيماويات المصدرة إلى الخارج حوالى 7/11 مليار دولار. وتأتي هذه الإيرادات من مبيعات تبلغ حوالى 7/21 مليون طن من المنتجات البتروكيماوية، وبمقارنة صافي المبيعات الأجنبيّة بصافي المبيعات المحلّية عام (2016) بلغ إجمالي صافي المبيعات المحلّية والأجنبيّة في عام (2017) 18 مليار دولار”. (وكالة أنباء إيسنا الإيرانية).[14]
وبحسب تصريحات مصادر من داخل النظام، فإنّ هذه الصناعة كانت منذ بداية حكم النظام الإيراني الحالي ولا سيّما خلال مرحلة حكم خامنئي، مصدراً رئيساً لتأمين القطع الأجنبي اللازم للعمليات الإرهابيّة التي يقوم بها النظام في المنطقة.
وفي الوقت الحالي تعود ملكية قسم رئيس وكبير من هذه الصناعة إلى خامنئي والحرس الثوري الإيراني ووزارة الاستخبارات, ومجموع الإيرادات التي يكتسبها هؤلاء عن طريق مجموعة صناعة النفط والغاز والبتروكيميائيات تبلغ عشرات مليارات الدولارات إذ إنَّ المنتجات البتروكيميائيّة تبلغ تقريباً ربع هذه الإيرادات.[15]
- تهريب البضائع إلى داخل إيران وخارجها
هناك جرائم غسيل أموال تجري في إيران ناتجة عن المعاملات غير القانونيّة مثل “تهريب البضائع”، إذ لا تخضع هذه المعاملات للرقابة الماليّة والقانونيّة، ومن أجل استخدام أموالها ضمن الأُطر الاقتصاديّة بشكل قانوني يجب أولاً أن تدخل وتُستعمل في المنظومة البنكيّة رسميّاً. وهذه الجرائم تُضاف إلى غسيل الأموال الذي يحصل في مجال الصناعات البتروكيميائيّة.
بناءً على تقرير معهد “بازل” للحوكمة في سويسرا لعام (2017( الذي يُحقّق في جرائم غسل الأموال ومحاربة الإرهاب، احتلّت إيران للسنة الرابعة على التوالي المرتبة الأولى من بين 146 دولة جرى التحقيق معها بخصوص جرائم غسل الأموال، وجاء في تقرير هذه المؤسَّسة الدوليَّة أنّ إيران احتلت خلال 2014 / 2017 ميلاديّاً المرتبة الأولى عالَميّاً، باستثناء عام 2013 إذ احتلّت إيران المرتبة الثانيّة بعد أفغانستان.[16]
يقول المدَّعي العام في إيران “محمد جعفر منتظري” بخصوص الفشل في محاربة التهريب والغموض في إحصاءاته، مشيراً إلى ضعف أداء مقرّات محاربة المخدرات وتهريب البضائع والعملة الصعبة: ”أنا لا أقول إنّهم لا يعملون، لأنّ ذلك ليس إنصافاً، لكن ما النتيجة التي قدّمها هذا المقرّ الذي يرأسه رئيس الجمهوريّة، ويجلس فيه أعضاء مُهِمُّون؟ هذا الأمر يُشير إلى خلل ما، في حين نتستَّر أحياناً على بعض الأمور، ويُجامل بعضنا بعضاً، وهذا أمرٌ يضرُّ بالدولة”.
ويُضيف “منتظري”: “بناءً على آخر الإحصاءات يُعتبر وضع محاربة الإرهاب كارثيّاً، ففي عام 2016 ضبطنا من البضائع المهرّبة ما قيمته 18 ألف مليار تومان (5 مليارات دولار تقريباً).
وأبدى منتظري قلقه من الإحصاءات التي ينشرها مقرّ محاربة تهريب البضائع والعملة قائلاً: “يُحاول البعض التستّر على إحصاءات تهريب البضائع الحقيقيّة، وتقديم إحصاءات غير حقيقيّة، ولدينا مضبوطات من البضائع المهرّبة بقيمة 18 ألف مليار تومان (5 مليارات دولار تقريباً)، لكنّنا لا نعلم حجم ما لم يُضبَط”.[17]
لا تُوجد إحصاءات مُقنِعة حول تهريب البضائع في إيران، بل لا ينسجم ما هو منشور منها بعضه مع بعض، فبناءً على الأرقام المنشورة عام 2013 وصل رقم التهريب إلى الخارج إلى 7,8 مليار دولار، وانخفض هذا الرقم خلال السنوات التاليّة، ليصل خلال 2016 إلى نصف مليار دولار، وبناءً على هذه الإحصاءات، فإنَّ التهريب إلى داخل الدولة انخفض من 17,2 مليار دولار عام 2013 إلى 12,1 مليار دولار عام 2016، وبناءً على ما يزعمه المسؤولون في الدولة، فإنَّ مجموع التهريب من الداخل إلى الخارج، وبالعكس، خلال السنوات المذكورة انخفض من 25 مليار دولار إلى 12,6 مليار دولار.[18]
- تهريب المخدرات
في هذا البحث لسنا بصدد إثبات توّرط النظام الإيراني في تجارة المخدرات على الرغم من وجود الأدلة الكثيرة على ذلك, فالجرائد والصحف والمواقع الإخباريّة العالميّة والدوليّة ممتلئة بالأخبار والدلائل التي تُشير إلى توّرط النظام الإيراني في عمليات تهريب المخدرات من أفغانستان إلى أوروبا، والدول العربيّة الغنيّة.
لكنّنا نسعى للحصول على أرقام ولو تقريبيّة عن حجم القطع النقدي الذي يؤمنه هذا المصدر غير المشروع للنظام الإيراني من خلال بعض التقارير التي سنوردها لاحقاً.
التقارير الآتية تُظهر أرقاماً وإحصاءات عن الدخل المالي الذي يؤمنه تهريب المخدرات للنظام الإيراني:
- يعتبر تهريب المخدرات أحد مصالح النظام الإيراني في درّ العوائد الماليّة عليه من أجل الوصول إلى أهدافه في نشر الحروب؛ الأمر الذي كتبت عنه صحيفة التايمز اللندنيّة في تاريخ ١٨/11/٢٠١١: “عملية تهريب المخدرات تدرّ لقوات الحرس الثوري الإيراني مليارات الدولارات سنويَّا”.[19]
- إنَّ حجم تجارة المخدرات في إيران يبلغ مليارات الدولارات، وهذا ما كشفه نائب رئيس لجنة مكافحة المخدرات الإيراني في مقابلة له مع وكالة الأنباء الرسميّة الإيرانيّة “إيرنا” في 7/1/2015، إذ أكد أنّ حجم تجارة المخدرات في البلاد يبلغ حوالى 3 مليارات دولار.[20]
- كشف المساعد الدولي في مركز مكافحة المخدرات “أسد الله هادي نجاد” أنَّ أكثر من 35 في المئة من المخدرات المنتجة في أفغانستان، تمرّ من إيران باتجاه الدول الأخرى.
وبحسب المسؤول الإيراني الرفيع فإنَّ إيران تُعدُّ الطريقَ المثاليّ لعصابات الإتجار بالمخدرات، وتشهد إيران استثماراً واسعاً من قبل العصابات المهرّبة للمخدرات في إنتاج المخدرات الصناعيّة وتهريبها، وتوزيعها في المناطق الأخرى. ويُقدّر إنتاج المخدرات في أفغانستان بستة آلاف و400 طن سنويّاً بحسب تقارير الأمم المتحدة.[21]
- كشف رئيس مرکز مكافحة المخدرات التابع للشرطة الإيرانيّة عن شبكة تهريب مخدرات دوليّة؛ وتُشير المعلومات التي وردت على لسان العميد “علي مؤيدي” إلى أنَّ العصابة الدوليّة نشطت في محافظات بلوشستان وقم وسمنان وطهران بأساليب «معقدة» قبل تفكيكها على يدّ شرطة مكافحة المخدرات واعتقال عشرة من أعضاء العصابة وضبط ثلاثة أطنان.[22]
- تقدر السيولة الماليّة لتجارة المخدرات في إيران بأكثر من 20 ألف مليار تومان إيراني (حوالى 6 مليار دولار) سنوياً، بحسب وزير الداخلية الإيراني “رحمان فضلي” الذي أكد أنَّ تلك الأموال تلعب دوراً أساسيّاً في السياسة الداخليّة الإيرانيّة عبر تمويلها الحملات الانتخابيّة.[23]
إنَّ الحرس الثوري وقوات التعبئة، وبخاصة فيلق القدس بحاجة إلى مصادر ماليّة كبيرة لتنفيذ مختلف الخطط المكلفة في إيران والمنطقة، الأمر الذي يجعلنا لا نُصدّق ألا ضلوع لهم في هذه التجارة التي تدرّ مليارات الدولارات, لا سيّما أنّ نشاط النظام الإيراني العسكريّة، ودعمه لنظام الأسد، ولحزب الله والحوثيين لم تتوقف على الرغم من العقوبات الدولية، الأمر الذي يجعل الحرس الثوري يبحث عن مصادر ماليّة إضافيّة من قبيل الإتجار بالمخدرات.
- الخاتمة
إنَّ مجموعة الإيرادات التي يكتسبها النظام الإيراني عن طريق صادرات النفط والمنتجات البتروكيميائية, وتهريب البضائع والمخدرات تصل إلى عشرات مليارات الدولارات سنويّاً, وهذه الإيرادات يُكرّسها النظام الإيراني بالكامل لمشروعات القمع الداخلي، والمشروعات الرامية إلى تصدير الإرهاب إلى خارج الحدود, ويستخدم النظام الإيراني في هذا المجال أساليباً وطُرائق احتيالية مختلفة؛ كعمليات تهريب النفط والبضائع والمخدرات، وعمليات غسيل الأموال من أجل الالتفاف على العقوبات الدوليّة لتسويق منتجاته.
ومن ثم يجب على المجتمع الدولي وبخاصّة الدول العربية والأوروبيّة والصين قطع علاقاتها التجاريّة, وتعاملاتها الماليّة والبنكيّة مع النظام الإيراني؛ لأنَّ أيَّ تعامل تجاري مع هذا النظام يُعتبر بمنزلة ضخ الوقود في آلة الإرهاب الدولي والإقليمي التي يترأسها النظام الإيراني.
[1] خديجة هلال، الحرس الثوري الإيراني، قصة الأخطبوط الإيراني سارق قوت الشعب، موقع العرب http://www.arabmubasher.com/36806
[2] ارتفاع إنتاج إیران من النفط في أيلول/ سبتمبر 2017، قناة العالم https://goo.gl/wzuLQZ
[3] 50 مليار دولار إيرادات إيران من النفط في 2017، روسيا اليوم https://goo.gl/pmy8GX
[4] مهدي عقبائي: النفط في يد قوات الحرس بالإضافة لقمع الشعب الإيراني، الحوار المتمدن http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=590145&r=0
[5] مقر خاتم الأنبياء ينفذ 40 مشروعاً خلال العام الإيراني الجاري، وكالة أنباء إيرنا الإيرانية http://www.irna.ir/ar/News/83019254
[6] فورين بوليسي، الحرس الثوري الإيراني يلجأ مُجدّداً إلى تهريب النفط ، موقع منظمة مجاهدي خلق https://goo.gl/EPAkYS
[7] صحيفة أمريكية تكشف طرق إيران في تهريب النفط بعد دخول العقوبات الأمريكية، موقع بغداد بوست https://goo.gl/Ha3Hoj
[8] الاحتيال يؤمن 85 في المئة من العملة الأجنبية للملالي، موقع مجاهدي خلق https://goo.gl/6WKqkU
[9] حصة النفط في الاقتصاد الإيراني، موقع اقتصاد أونلاين الإيراني https://goo.gl/z5mj9m
[10] المرجع السابع https://goo.gl/6WKqkU
[11] أحمد مهدي أبهري، يتم نقل أموال البتروكيميائيات كما كنا نفعل في زمن العقوبات، صحيفة رسالت الإيرانية http://www.magiran.com/npview.asp?ID=3668297
[12] حميد حسيني، البنوك الصينة تمتنع عن إرسال الأموال لإيران، وكالة أنباء إيلنا الإيرانية https://goo.gl/pSX5YZ
[13] الصين أكبر مورد للمنتجات البتروكيماوية الإيرانية، قناة العالم https://goo.gl/E6uc1g
[14] مرضية شاهدي، دخل 15 مليار دولار مع مبيعات صافية قدرها 28 مليون طن من البتروكيماويات، وكالة أنباء إيسنا https://goo.gl/KeZ6m2
[15] رضا وضعي، دور قوات الحرس الثوري في البنية الاقتصادية والسياسية للنظام، موقع غلوبال الإيراني _http://www.iranglobal.info/node/47705
[16] تقرير معهد ”بازل” Basel للحوكمة لعام 2017، موقع السكينة https://www.assakina.com/news/news1/106906.html
[17] أحمد علوي، لماذا تحتل إيران المرتبة الأولى عالَميا في جرائم غسل الأموال؟، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية rasanah https://goo.gl/ZkhEd8
[18] المرجع السابق.
[19] 3 أهداف الحرس الثوري لإغراق العالم بالمخدرات، موقع مجاهدي خلق https://goo.gl/pWzykU
[20] سعود الزاهد، بالأدلة الحرس الثوري الإيراني يتاجر في المخدرات، العربية نت https://goo.gl/HhNxgH
[21] مسؤول أمني: 30 في المئة من المخدرات المنتجة في أفغانستان يتم نقلها إلى الحدود الإيرانية، وكالة أنباء إيرنا الناطقة بالعربية، http://www.irna.ir/ar/News/82988593
[22] “المخدرات” سلاح إيران السري لإضعاف دول الجوار، مركز الروابط للدراسات الاستراتيجية والسياسية http://rawabetcenter.com/archives/43183/amp
[23] وزير الداخلية الإيراني رحمان فضلي، قسم من أموال تهريب المخدرات يدخل المشهد السياسي، موقع دويتشه وله الإيراني، https://goo.gl/DsXCqT